ألوان وأحلام على سجادة السماء الزرقاء: تأملات في غلاف إيكليوف
في بعض الآثار الأدبية، تنبؤك عناوينها بدسم المحتوى، وهذا ليس أمرًا قطعيًا، وآثار أخرى تغريك لوحات أغلفتها، فتتمنى لو تكون بين يديك. بعد قراءتي لنص "مرثية"، أصابني شغف أن أقرأ لوحة غلاف المختارات الشعرية للروائي والشاعر والمترجم الكردي السوري كاميران حرسان من المجموعة الشعرية الصادرة عن منشورات رامينا في لندن 2024 بعنوان "على سجادة السماء الزرقاء" للكاتب السويدي غونار إيكيلوف
النظرة الأولى: يجلب انتباهك اللون الأزرق الذي يغطي كامل اللوحة بلونيه الداكن والفاتح مع مسحة من اللون الأسود، كانت من ريشة الرسام نهاد كولي الذي وزعها على كامل اللوحة، مما أضفى جمالية عليها.
لننطلق من أسفلها ومن الوسط تقريبًا، هناك نقاط ضوء بعيدة، كما نقول، نقطة ضوء في آخر النفق مع خيوط بيضاء وكأنها فجر يتنفس من رحم العتمة.
نصعد قليلًا، نرى بعض الظلال التي تشبه الطيور أو كائنات تسبح في هذا الفضاء الأزرق، وربما توحي لك بأسماك في قاع البحر، حيث ينعكس لون السماء على سطح البحر، والجانب الأيمن فاتح أكثر من الأيسر.
بصعودنا إلى اللوحة وفي وسطها تقريبًا، فتاة صغيرة ممدة بعين مغمضة لأنه لا يظهر منها إلا الجانب الأيسر، ربما في لحظة حلم أو رجاء تتمنى أن يصل إلى عنان السماء، وأحلام الطفولة لونها وردي، ومع كل حلم ولادة جديدة كلون الشفق الذي كان على ذراعها المتجه إلى السماء كأنها تريد مسك شيء هارب منها، ولم يكن دعاء لأن ظهر اليد اليمنى كان على بطنها، في نومها الهادئ، هذه الريشة بساقها واللون الأبيض، وهذا اللون دائمًا يرمز للصفاء والسلام، اقترن بلون الياسمين الذي لن تؤثر الفصول في قلبه الأبيض، ما بقي من اللوحة هو اللون الأزرق في جانبيها ويتوسطهما مثل الطريق لونه بين الأسود والأزرق الداكن، وهذا الطريق كان من أعلى اللوحة لينتهي وجسم الفتاة الممدة، كأنه الطريق الذي سلكه جسمها، أو كأن أحدًا رمى بها وهي نائمة في قاع المحيط.
أحاول حزم ما ذُكِر أعلاه بالتحديد على الألوان التي لعبت دورًا محوريًا في اللوحة.
نتطرق إلى اللون الأزرق وما يحمله من معاني ودلالات: الداكن منه يمثل الجرأة والقوة وغيرها من السمات، بينما الفاتح هو لون حيوي وساطع وشبابي، هو لون المحيط والسماء؛ غالبًا ما يرمز إلى الصفاء أو الاستقرار أو الإلهام أو الحكمة. يمكن أن يكون لونًا مهدئًا ويرمز إلى الموثوقية. وله معنى روحي، فهو رمز الروحانية والحدس والإلهام والسلام الداخلي. ويرتبط أيضًا بالحزن والاكتئاب ("البلوز"). في الشفاء، يستخدم اللون الأزرق للتبريد والتهدئة جسديًا وعقليًا. يشير اللون الأزرق في الهالة إلى الصفاء والرضا والتطور الروحي.
كان بيكاسو يستخدم اللون الأزرق بتدرجاته القاتمة والداكنة وكذلك الباهتة، التي تشيع الكآبة في أرجاء اللوحة، ولم يخذله هذا اللون في التعبير عن مشاعر كل بطل من أبطال لوحاته، سواء كان رجلًا أم امرأة، كبيرًا أم صغيرًا، وتجسيد الحالة المأساوية التي يكابدها المعوزون والمنبوذون على هامش المجتمع
الشهير فنسنت فان غوخ الذي احتوت لوحته الأيقونية، "ليلة النجوم" على رسالة انتحار؛ حيث يسيطر على اللوحة اللون الأزرق وبعض الأصفر من أجل النجوم، كما يتخللها شجر سرو (شجر المدافن) الذي يصل ارتفاعه حد النجوم. والرسام النرويجي إدفارد مونك (1863-1944)، الذي عُرف -مثل فنسنت فان غوخ- بصراعه الطويل مع الأمراض النفسية والعقلية. وقدم خلال مشواره الفني الطويل العديد من اللوحات الزرقاء التي تميّزت جميعها بمواضيع شديدة الحزن والكآبة، مثل: الوحدة والمرض والموت والفراق.
هناك العديد من الأعمال الفنية القديمة التي يظهر فيها اللون الأزرق، ومن أبرزها:
"العذراء والطفل بالمشيطة الزرقاء" للفنان جيوتو.
"العذراء والطفل بالوردة الزرقاء" للفنان لوكا سيجنولي.
"الذات الحلمية" للفنان فان غوخ.
"أوليمبيا" للفنان إدوارد مانيه.
"العذراء والطفل والقديسة آن" للفنان ليوناردو دا فينشي.
"بحرية" للفنان هوكوساي.
"الأم والطفل والعذراء" للفنان بابلو بيكاسو.
فيتضح مما تقدم أن لوحة كتابنا ومختاراته على سجادة السماء الزرقاء هي فعلاً سجادة من الأحلام وما الطريق التي احتوت جسم الطريق إلا هي ولادة جديدة لذات كانت ترى في أمنياتها لو بقيت طفلة، فنحن حين نتمنى شيئًا نغمض العينين ونسبح في حلمنا الذي نتمنى لو يتحقق ويصل فعلاً عنان السماء.
اللوحة موضوعها بارز جدًا وهو "الطفلة الحالمة" أضاءت بعض من أركانها ريشة الفنان، وبعض كان نقاط سواد ربما فترة من حياة كل ذات حتى نشعر فعلاً بمعنى السعادة ونستمتع بالضوء الذي يولد من رحم العتمة. سجادة هي من نسج لون السماء.
هكذا أخبرتني اللوحة..